العرفان.. العشق الإلهي في امتداد الإيمان

image_pdf

في ظل الضمور الفكري وانفلات العنف والإرهاب على مساحة واسعة من دول إسلاميَّة عدّة، يولد السؤال المفصلي، وهو، هل بإمكان العرفان أن يكون بلسماً شافياً لجراحنا، أو لبعضها على الأقل؟
أعتقد إن بإمكان العرفان أن يحدّ من أضداده المتمثّلة بالكراهية وضيق الأفق ورفض الآخر، وبإمكانه أيضاً أن يجعل من المخلوق كائناً يتوشّح مع الخالق بأوثق الأواصر الروحيَّة… في محاولة لمعرفة الذات وإيجاد السلام الروحي في ظل ضياع واضح على الصعيد البشري.

يمثّل تحرّر الإنسان من هذه الغواسق الظلمانيَّة. بغض النظر عن دينه، الخطوة الأهمّ في مسار حياته، كذلك تمثّل البوصلة التي تشير نحو النجاة الفردي.. وصولاً إلى التأثير في جوهر الأحداث التي تلامس تفاصيل حياته.

وبناء على هذا يستطيع العرفاني بسعة أفقه وشيوع حبّه، أن يتجاوز أسوار الطائفيَّة والمذهبيَّة والأثنيَّة، محوّلاً ذلك العشق الإلهي إلى تيّار يرفد المؤمنين بالوئام والتآخي في كل زمان ومكان. متجاوزاً الكراهية نحو فسحة واسعة الامتداد من الإيمان والمحبّة.

لا بد من الاعتراف أن العرفان يقودنا صوب الاعتراف بعطايا الخالق وإبداع وقدرته ومننه، بما يعزِّز وجود الإنسان روحيّاً ويخدم قضاياه الأساسيَّة، تحديداً بما يتعلّق بأفكاره وتطورها، ويرفد حياته ويجسّد معانيها على أكثر من صعيد ومستوى، كذلك يحدّ من الضغينة والشرور الكامنة في أعماق بني البشر، وهذا ما يحدِّد قيمة العلاقة بين المخلوقات من أجل حياة خالية من كل ما يعكّرها.

تتحرّك أغلب الديانات في مساحتها الروحيَّة ضمن الصوفيَّة، فهناك تصوّف في الديانات الهنديَّة والصينيَّة واليهوديَّة والمسيحيَّة، ربما تعتبر الصوفيَّة ارتباط روحي بين المسيحيَّة والإسلام، باعتبار أن المسيحيَّة الأولى كانت زاهدة بامتياز، فالأصل الذي يستند إليه العرفان هو علاقة العشق بين الخالق والمخلوق، علاقة تمتلك من الخصوصيَّة والذاتيَّة، بقدر ما تمتلك من مشتركات وتشابهات، وعلى هذا الأساس ردّد العرفانيّون والمتصوّفة بشكل مجرّد أنَّ الطريق إلى الله بعدد انفاس الخلائق.. وهذا يعني لدى العرفان أنّ الحقيقة واحدة لكنّها تتشكّل وفقاً لمحبّة المخلوق لخالقه.

يعي العرفاني تماماً ماهيته احترام الآخر والتعايش معه، بغض النظر عن كل انتماء وهي بمثابة الخطوة الأولى في مسيرة الإيمان بالقيم الروحيَّة العليا. لهذا فالعرفاني يرتبط بحالة عشق مع كل الأشياء باعتبارها الطريق لعشق الخالق من جهة، وعشق المخلوق وأهميته باعتبار ظل الله على الأرض، من جهة أخرى.
تميل النفس البشريّة في بعض حالاتها إلى الخروج من القوقعة الدنيويَّة والسباحة في فضاء روحي واسع. وتوفر العرفانيَّة تجربة انفتاح الذات على المعنى المخفي للوجود. ولعل هذا الانفتاح متجسِّد بقدرة التواصل بين الذات والوجود.

وبقصد التخفّي استعاضت الصوفيَّة عن اللغة بالدلالات والرموز، واستنبطت لغتها الخاصَّة باعتبار أن الإنسان هو كلمة الخالق، وأنَّ العالم ليس إلا إنساناً كبيراً.

العرفان نزوع بشري وحاجة إنسانيَّة لا علاقة له بأي دين أو معتقد ولا يستطيع الإنسان أن يترجمه إلا بوجود مساحة حياتيَّة ملموسة، لذا فإن الجهة التي توفّر هذه الفسحة هي الديانات التي تتحرّك في مساحات معنويَّة، مهما كانت ضيقة لامتلاكها هذه المساحة، بغرض الوصول إلى رضا المحبوب، والتواصل بصورة مباشرة مع الحقّ ومصدر الإلهام الروحي.
ليكن الختام بداية ثانية..
أدين بدين الحبّ أنّى توجّهت
             ركائبه فالحبّ ديني وإيماني
  

جديدنا