نحو سوسيولوجيـا أمازيغية؛مقاربة أوليَّة

image_pdf

مدخـــل:

إنَّ أوَّل سؤال يتبادر إلى الذهن، والذي يمكن طرحه انطلاقاً من العنوان ” نحو سوسيولوجيا أمازيغية”، هو: هل يمكننا الحديث عن سوسيولوجيا أمازيغيَّة؟ وماذا يقصد بذلك؟ ولكون هذه الأسئلة بذاتها تطرح وتفرض بدورها الإقرار بوجود سوسيولوجيا خاصَّة بالأمازيغ، وبالتالي بالمجتمع الأمازيغي.

وماذا عن كل ما يوجد الآن من دراسات حول المجتمعات الأمازيغيَّة في دول تمازغا (شمال إفريقيا) والتي أنجزت من لدن باحثين سواء من الأمازيغ أنفسهم أو غيرهم؟ ألا يمكن لها أن تكون نواة أولى لبناء سوسيولوجيا أمازيغيَّة قائمة بذاتها؟ وماذا عن كل ما أنتجه الأمازيغ عن حضارتهم وعن المجتمع والإنسان ثم حول الآخر؟

 أنها فعلا أسئلة تفرض علينا نحن الأمازيغ محاولة الإجابة عنها، وبالتالي تحليل مغزاها، ولكي نفهم كذلك ما نتوخّاه من هذه السوسيولوجيا، ومحاولة منّي كمهتمّ بهذا الجانب وكأمازيغي، أود أن أطرح هذا الموضوع للنقاش، وأتمنَّى أن تعطى له ما يستحقّ من عناية قصد الدراسة وذلك لفهم المجتمعات الأمازيغيَّة بشكلٍ صحيح، وكذلك الإنسان الأمازيغي وثقافته الغنيَّة. ولتقريب الفكرة أكثر لا بدّ في البداية أن نفهم ماذا يقصد بالسوسيولوجيا بشكلٍ عامّ، وما هو موضوعه كعلم؟

ماذا يقصد بالسوسيولوجيا؟ وما هو موضوعه كعلم؟  

لقد أكَّد الفيلسوف “ريمون ارون ” بأنَّ علم الاجتماع يتميَّز أساساً بأنه يبحث دائماً عن نفسه، وأنَّ أكثر النقاط اتّفاقاً بين المشتغلين به هي صعوبة تحديد علم الاجتماع، وهذا ما يجعل تحديد تعريف دقيق للسوسيولوجيا أمراً صعبا، كما أنَّ جل الباحثين يتباينون في تحديد تعريف خاصّ لهذا العلم، وهذا راجع أساساً إلى طبيعة هذا العلم، وكذلك للجذور التاريخيَّة التي يرتبط بها منذ نشأته إلى يومنا هذا، حيث تأثَّر علم الاجتماع بأفكار عدد كبير من الفلاسفة سواء من مؤسّسيه الأوائل كسان سيمون واكيست كونط وكارل ماركس وإميل دوركايم أو ابن خلدون إلى غيرهم، كما تأثَّر كذلك علم الاجتماع بالتغيّرات التي طرأت على المجتمعات الإنسانيَّة خاصة في المجتمعات الأوروبيَّة، ثمّ بالمنهج العلمي في كل فترات التاريخ، إلا أنه يمكن القول إنَّ علم الاجتماع بالأساس هو ذلك العلم الذي يعمل على دراسة الإنسان والمجتمع دراسة تحليليَّة علميَّة تعتمد على المنهج العلمي، وكل ما يقتضيه هذا المنهج من أسس وقواعد وأساليب في البحث. واهتمام علم الاجتماع بالإنسان والمجتمع يجعله يتداخل مع فروع أخرى من فروع العلوم الإنسانيَّة كالانتربولوجيا والسيميولوجيا والفلسفة والسيكلوجيا والاركيولوجيا، إلا أنَّ الميزة الأساسيَّة التي تجعل علم الاجتماع أكثر أهميَّة هو أنه يدرس المجتمع ككل في ثباته وتغيّره، ويدرس الإنسان من خلال علاقته بالمجتمع؛ أي أنه أكثر شمولا من العلوم الإنسانيَّة الأخرى، وكونه كذلك علماً تحليليّاً يدرس المجتمع، في حين أن دراسة المجتمع والظواهر والنظم الاجتماعيَّة بشكلٍ فلسفي، دراسة قديمة قدم الإنسان نفسه (1) وهذا بالفعل ما يؤكِّد بان التفكير الاجتماعي لازمَ الإنسان منذ وجوده الأوّل، وهنا فإننا في عصرنا اليوم والذي أصبحت فيه الحياة الاجتماعيَّة معقّدة ومتشابكة حيث أصبحت حياة الإنسان ترتبط بالجانب الاجتماعي أكثر من الجوانب الأخرى، وهذا ما يدعو، بطبيعة الحال، إلى ضرورة التفكير من جديد في دور السوسيولوجيا، وكذلك وظيفة هذا العلم من داخل العلم نفسه ومن خلال نظرته نحو المجتمع، أمّا الأولى فيقصد بها تطوير العلم نفسه والنقد الذاتي لمختلف الجهود التي بذلت على الصعيدين النظري والمنهجي وذلك من أجل الرقي بهذا العلم إلى درجة أكبر من الكفاءة والدقّة في الوصول إلى القوانين الاجتماعيَّة مع إمكانيَّة التنبؤ بمسار العلم ذاته، وكذلك المجتمع الإنساني الذي هو بمثابة حقل العمل. والوظيفة الثانية فهي وظيفة اجتماعيَّة والتي يقصد بها جميع الأدوار التي يقوم بها العلم لمجتمعٍ معيَّن من فهم واقعه وتفسيره، ثمّ تناول مشكلاته والتخطيط لدراستها وتناول الحلول الممكنة بشكلٍ عام أو خاص.

 

مــاذا عن السوسيولوجيا الأمــازيغيَّة؟

إذا ما حاولنا تدقيق وحصر وظيفة علم الاجتماع في كونه يهتمّ بدراسة المجتمع والإنسان عبر السيرورة التاريخيَّة، وبالتالي يهتمّ أساساً بدراسة البناء الاجتماعي بما فيه كل الظواهر الاجتماعيَّة، وإذا ما حاولنا كذلك الاعتماد على هذا التعريف والانطلاق من الحاجة الماسَّة إلى تأسيس علم اجتماع أمازيغي وذلك لتوضيح الرؤيا وتجنّب الخلط الذي وقع فيه كتّاب وباحثون بما فيهم الذين اتّخذوا لهم مذهباً ومنهجاً تخريبيّا حيث ينسبون الأشياء إلى غير أصلها وإلى غير أهلها، وبالتالي يكرِّسون الجهل ويطمسون الحقائق المتعلِّقة بالإنسان الأمازيغي الذي ارتبط تاريخه بشمال افريقيا. فقد ظهر فعلاً بالمغرب مثلا منذ السبعينات كتّاب ومؤلّفون كعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري ومحمد جسوس، واشتغلوا فيما سمّوه بالفكر العربي والإديولوجيَّة العربيَّة والعقل العربي معتبرين أنّ وطنهم كذلك يدخل ضمن هذا الفكر العربي، ويتجاهلون بأنّ هناك فكراً  آخر، يحتاج إلى بناء وهو الفكر الأمازيغي والإديولوجيَّة الأمازيغيَّة. هذا في الوقت الذي كانت فيه هناك دراسات وأبحاث أنجزت حول المجتمع الأمازيغي من لدن كتّاب غربيّين وأروبيّين، بالخصوص في المغرب وفي باقي مناطق تمازغا كالدراسات الانتروبولوجيّة التي قام بها الباحث دفيد مونتكمري هارت، وكذلك ارنست كيلنير، ثمّ الدراسات الكولونياليّة التي قام بها الفرنسيّون كالكولونيل جيورج سبيلمان، وكذلك الباحث اميل لووست، كما أنه لا بد من الإشارة إلى أنَّ هناك من المفكّرين من أشار إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المكوّن الأمازيغي، إذا ما أردنا التأريخ للسوسيولوجيا في المغرب مثل عبد الكبير الخطيبي، والذي يرى أن هناك حيّزاً ضعيفاً للتنظير الاجتماعي في المغرب، كما اعتمد على ثمانية مقاييس للتأريخ للسوسيولوجيا في المغرب منها مقياس لغوي، ثم العرقي، والموضوعي.

     ويبدو صعباً، أن نعترف بأن هناك سوسيولوجيا أمازيغيَّة كما هو الحال للسوسيولوجيا في العالم العربي الإسلامي؛ على حدّ قول الكاتب عبد الصمد الديالمي في مؤلّفه: القضيّة السوسيولوجيَّة – نموذج الوطن العربي- ولكن ما يمكن أن نؤكّده هو وجود كتابات سوسيولوجيَّة أمازيغيَّة تستمدُّ تصوّرها النظري وآليّات تبلورها من المجتمع الأمازيغي، وإذا ما عدنا إلى ما أشار إليه عبد الصمد الديالمي حيث اعتبر أنّ المرجعيَّة الأساسيذَة لظهور علم الاجتماع في العالم العربي الإسلامي كانت سنة 1930 مع صدور كتاب “البرابرة والمخزن” لروبير مونتاني لكونه أوّل أطروحة سوسيولوجيّة حول المغرب، وعرفت محاولة تطبيق (الظهير البربري) أي خلاصة سوسيولوجيَّة استعماريَّة، حيث ترى أنَّ هناك صراعاً بين البرابرة المضطهدين والعرب الذين كانوا مهيمنين على كل شيء وهذا طرح استعماري لتحرير البربر من اضطهاد العرب، وبالتالي لا بدّ أن يأتي المخلص وهو الدولة الاستعماريَّة، وتطبيق هذه الأطروحة يتجلّى في تمييز البربر عن سلطة العرب. ولكن السؤال المطروح هنا ما علاقة البرابرة بالعالم العربي؟ ولماذا لا يمكن القول إنّ هذا الكتاب وهذه السنة 1930 والتي تؤرِّخ كذلك للظهير الاستعماري لـ 16 أيار، بأنها المرجعيَّة الأساسيَّة لظهور علم الاجتماع الأمازيغي في بلاد تمازغا. وأرى بشكلٍ عامّ بأن السوسيولوجيا في بلاد تمازغا (شمال افريقيا) تؤثِّر فيها مجموعة من العناصر وهي : 1) السوسيولوجيا التي ينتجها المجتمع الأمازيغي نفسه 2) السوسيولوجيا التي ينتجها الآخر بما فيه العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي 3) المجتمعات الأمازيغيَّة في بلاد تمازغا.

ومن خلال هذه العناصر نجد أنَّ هناك علاقة بين ما يمكن تسميته بالسوسيولوجيا الأمازيغيَّة وسوسيولوجيا الآخر (العربي ثم الغربي) منذ زمن بعيد. فإلى أي حدٍّ تؤثِّر الأولى على الثانية وما علاقتهما؟ وكيف يمكن إبراز دور السوسيولوجيا الأمازيغيَّة في إنجاح عمل سوسيولوجيا الآخر لإبرازها على حسابها؟ وكذلك مدى استفادة هذه الأخيرة من السوسيولوجيا الأمازيغيَّة التي ما زالت لم تعرف إلى يومنا هذا النور كعلمٍ قائم بذاته له قوانين وقواعد ومفاهيم خاصَّة وكنسقٍ فكري خاص؟ ولأنَّ غياب السوسيولوجيا الأمازيغيَّة رهين بالتهميش الذي يعانيه الإنسان الأمازيغي، وكذلك تأثير السياسات القوميَّة والإديولوجيَّة التي مورست على المجتمعات الأمازيغيَّة في بلادهم من لدن دعاة القوميَّة العربيَّة، وبالتالي نسب كل ما هو أمازيغي إلى ما هو عربي، ولهذا فلكي ترى السوسيولوجيا الأمازيغيَّة النور، لا بدّ من إيجاد حل لأزمة الإنسان الأمازيغي، وبالتالي المجتمع الأمازيغي بردِّ الاعتبار لحياته وثقافته ولتاريخه، وكذلك أن تنسب الأمور لأهلها دون أي إديولوجيَّة مزيفة.

وعموما ألا يمكن لنا الحديث عن علم اجتماع خاصّ بالأمازيغ؛ نظراً لشساعة المساحة التي يقطنونها وكذلك لغنى موروثهم الثقافي ورصيدهم الحضاري؟ ولعراقة تاريخ الأمازيغ ولصمودهم أمام كل التيارات التي حاولت طمس هويّاتهم عبر كل الأزمنة من الفينيقيين والرومان إلى العرب والأوروبيّين، ثمَّ ماذا عن دور الاكتشافات الأخيرة عن أصل الكائن البشري وعمره من خلال الدراسات الأركيولوجيَّة الحديثة، في تغيير الحقائق التاريخيَّة، وبالتالي التشكيك في ماهيَّة أغلب العلوم الإنسانيَّة بما فيها علم الاجتماع؟ فعلاً لقد أصبح من الضروري إعطاء هذا الموضوع ما يستحقّ من أهميَّة وذلك لتأسيس سوسيولوجيا الأمازيغ (Tawsmadal amazigh )، كما أننا في الوقت نفسه بحاجة إلى تأسيس علم النفس الأمازيغي (Tawsadu amazigh ) وعلم السياسة، إلى ما هنالك من علوم الإنسان التي تهتمّ بدراسة الإنسان والمجتمع وكذلك الحضارات والثقافات كالانتربولوجيا والسيميولوجيا.

 وكما يشير الفيلسوف الفرنسي “بيربورديو” بأنَّ علم الاجتماع هو علم المشاكل وذلك بالرجوع لموضوعه الذي يراهن على مقاربة الواقع الاجتماعي والذي لا يخلو بالطبع من مشاكل، وبالتالي فإنَّ ظهور أية سوسيولوجيا يرتبط بتفاقم مشاكل اجتماعيَّة التي تؤدّي بدورها إلى بروز أزمة، وهنا نشير كذلك إلى كون السوسيولوجيا هي علم الأزمة وأنها دائماً في بحثٍ دائم عن الذات، كما أشار بورديو أيضا: “على علم الاجتماع  أن يوجِّه إلى نفسه تلك الأسلحة التي أنتجها” وبالتالي إمكانيَّة النقد ونقد النقد. فإذا كانت الثورة الفرنسيَّة سنة 1789 هي بداية ظهور علم اجتماع أروبي، فإننا قد نقول إنَّ بداية علم اجتماع أمازيغي مغربي قد كانت فعلا مع ظهور ظهير 16 ماي 1930 حيث كانت هذه السنة هي بداية ظهور أزمة الإنسان الأمازيغي المغربي من حيث العدالة الاجتماعيَّة حيث جاء كضرورة لإحداث محاكم عرفيَّة أمازيغيَّة، وبالتالي ضرورة رد الاعتبار لهذا الانسان وكذلك لأعرافه ولثقافته ومحاولة حل الأزمة التي يتخبَّط فيها، هذا بغض النظر عمّا كانت القوّات الفرنسيَّة تسعى من ورائه كأهدافٍ استعماريَّة وسياسيَّة. وفعلاً فإن أزمة 16 أيار 1930 قد تكون هي بداية انطلاق أو بروز سوسيولوجيا أمازيغيَّة ضمن السوسيولوجيا المغربيّة، إن كانت هناك فعلا هذه السوسيولوجيا؟ وذلك لدراسة وتحليل ما يعانيه الإنسان الأمازيغي من مشاكل اجتماعيَّة مرتبطة بأرض شمال أفريقيا.

 

من أجل سوسيولوجيا أمازيغيَّة ودفاعاً عنها

إذا ما حاولنا قراءة ما كتب عن السوسيولوجيا المغربيَّة عبر تاريخها، نجد أن المغرب البلد النامي عرف ظهور سوسيولوجيا استعماريَّة، ركَّزت عليها فرنسا في حملاتها الاستعماريَّة، وذلك لدراسة المجتمع المغربي سعياً للسيطرة عليه، فعملت هذه السوسيولوجيا على إعطاء نتائج مغلوطة عن حقيقة المغرب؛ لأن هاجسها كان أساساً استعماريّا، ولكن رغم ذلك فقد ساهمت هذه المرحلة في إبراز إشكاليَّة في علم اجتماع دول تمازغا بصفةٍ عامّة والمغرب بصفةٍ خاصّة، أمّا بعد الاستقلال فقد ظهرت- كما أشرنا سابقاً- محاولات تسعى أساساً وحسب ما تدعو إليه، التحرّر من أوهام السوسيولوجيّة الكولونيايّة الفرنسيَّة فركزت على المنهج الخلدوني في فهم الواقع، وهو منهج فعلاً قد يقود بنا إلى الحقيقة شيئاً ما، إلا أن انزلاق أغلب الباحثين السوسيولوجين- إن لم أقل جلهم- وراء الإديولوجيّة المشرقيَّة، فانطلقوا من حقيقة ليست حقيقة أصلا، فبدأوا ينسجون عليها أفكارهم وتحاليلهم بعيداً عما هو واقع في حياة المجتمع المغربي الذي أغلب سكانه أمازيغ مع وجود العرب كذلك، فأدَّى بهم هذا الانزلاق إلى فوضى وتشتّت في التحليل، فغابت الحقيقة الاجتماعيَّة التي يسعى علم الاجتماع إلى إظهارها، وبالتالي ظهور نتائج مغلوطة لأنها تربط المغرب بالخليج العربي وبالشرق، فأصبحت الدراسات السوسيولوجيَّة التي تدخل ضمن ما يسمى بالسوسيولوجيَّة المغربيَّة، تتّصف بنوعٍ من الغموض؛ لأنها لم تنطلق من حقيقة الواقع، كما أنها تصنّف ضمن ما يسمى بسوسيولوجيَّة العالم العربي أو سوسيولوجيَّة المغرب العربي، ولكونها دراسات مؤطَّرة باتِّجاهات “الآخر”، وبالتالي نحن اليوم في حاجة ماسَّة إلى إعادة النظر في السوسيولوجيا المغربيَّة وضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن نسميه السوسيولوجيا الأمازيغيَّة، أي أننا أمام ضرورة النقد البنّاء لتاريخ السوسيولوجيا ولمفاهيمها في دول شمال أفريقيا بشكلٍ عام مع الانطلاقة من الأنا عوض الآخر، ولإعادة تحديد موضوع ومفاهيم السوسيولجيا بمزيد من الدقَّة والموضوعيَّة. وبصريح العبارة أننا أمام ضرورة تأسيس السوسيولوجيا الأمازيغيَّة والتي تكون كفرع تخصّصي في الحقل السوسيولوجي يهتمّ بالمجتمع والإنسان الأمازيغيّين وبالظواهر الاجتماعيَّة ذات المنشأ الأمازيغي. إنها سوسيولوجيا جاءت أساساً لفهم الحضارة الأمازيغيَّة في شمال أفريقيا، وضدّ السوسيولجيا الاستعماريَّة الغربيَّة أو المشرقيَّة، وهي فعلاً ضروريَّة في الوضعيَّة الراهنة والتي بدأ فيها الإنسان الأمازيغي يتصالح مع ذاته وبدأ يعرف حقيقة أمره، ولهذا فإننا ندعو الباحثين السوسيولوجيّين إلى إعطاء هذا الموضوع ما يستحقّ من دراسة موضوعيَّة سعياً لتأسيسه كفرع وكعلم قائم بذاته وكنسقٍ فكري.

 

على سبيل الختم

   إنَّ ما أرمي إليه من وراء هذه السطور القليلة والتي عنونتها بعنوان ضخم يحتاج إلى صفحات وإلى كتب، هو إثارة موضوع طاله النسيان وربما قد يكون هذا المقال بداية للحديث عن ضرورة التفكير من أجل تأسيس سوسيولوجيا أمازيغيَّة كعلم نسعى من ورائه جمع كل ما له علاقة بالمجتمع الأمازيغي وبجل الظواهر الاجتماعيَّة المرتبطة به كإنسان له بصمات على وجه البسيطة. وبالتالي إمكانيَّة زعزعة جميع العلوم الإنسانيَّة، والتفكير في توجيه السؤال مرَّة أخرى لإعادة البناء من جديد.

وأعود أسأل من جديد ما الذي نتوخّاه من السوسيولوجيا في الوقت الراهن؟ وهل نحن فعلاً في حاجة إلى سوسيولوجيا أمازيغيَّة؟ أليس ضروريّاً في الوقت الراهن أن تتمّ دراسة ابستمولوجيا لعلم الاجتماع بشكلٍ عام، وما يسمّى بالسوسيولوجيا المغربيَّة بشكلٍ خاص؟ أسئلة تبقى بدورها كمفاتيح للدخول إلى موضوعنا ولأن السؤال في العلوم الانسانيَّة يبقى أكثر أهميَّة من الجواب، لأنه يمكّننا من خلخلة الأفكار والتشكيك في المعلومات السابقة، وبالتالي البحث والنبش من جديد وفي كل لحظة. فهلموا جميعاً للبحث عن سوسيولوجيا أمازيغيَّة وسط تراكمات علم الاجتماع بصفةٍ عامَّة إن كانت هناك تراكمات؟ ونقوم بتصنيف وتخصيص كل ما تمّ جمعه من أبحاث في شمال أفريقيا أو ما يسمّيه الأمازيغ بـ”تمازغا”. دون الانزلاق في الأخطاء التي تقع فيها المفاهيم القوميَّة والإديولوجيّات القوميَّة لأنَّ ما أرمي إليه من خلال هذا الموضوع  تصحيح ما يمكن تصحيحه، ثمَّ الإقرار بوجود إنسان أمازيغي، كان وما زال يقطن شمال أفريقيا، وبالتالي لفهم ودراسة كل المشاكل التي تتخبَّط منها هذه البقعة المباركة، والتي كانت وما زالت تعتبر من أبرز أطماع باقي العالم؛ نظراً لموقعها الاستراتيجي، وبالتالي إمكانيَّة إيجاد حلول مناسبة، وجب فهم هذه المجتمعات وكذلك فهم الإنسان الأمازيغي، أي ضرورة تدقيق ما يكتب وما ينجز من دراسات حول هذه المجتمعات وعدم الخلط بين ما تفرزه الحدود الجغرافيَّة واللغويَّة والعرقيَّة وما تحدّده الأطماع السياسيَّة. وماذا عن العلوم الإنسانيَّة بكليتها؟ ثمَّ إلى أي حدّ يمكن اعتبار السوسيولوجيا كعلم هو المفتاح الأساسي والمدخل الرئيس لدراسة باقي العلوم الإنسانيَّة وبالتالي الحكم عليها وإمكانيَّة حمايتها وتنميتها مع الحرص على التطوير والتطوّر؟ ألا يمكن اعتبار اليوم السوسيولوجيا أمّا العلوم بدل الفلسفة التي بدأت في التراجع؟

__________________

الهوامش :  

  • اتّجاهات نظريّة في علم الاجتماع . د عبد الصمد المعطي –عالم المعرفة العدد 44

  -“دفاعا عن السوسيولوجيا” عبد الرحيم العطري. شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط الطبعة الأولى 2000.

          -العمل الجمعوي الأمازيغي بالمغرب. أحمد الدغرني .امبريال .الرباط .  

           -القضية السوسيولوجيّة –نموذج الوطن العربي- عبد الصمد الديالمي.

           – نحو علم اجتماع عربي. لمجموعة من المؤلفين، مركز دراسات الوحدة العربيَّة 1984.              

جديدنا