رحلة البحث عن معلِّم!

image_pdf

*معاذ يوسف

 

كيف يمكن لنا أن نحقق أي تطور في حياتنا؟ تجيبنا اليابان على هذا السؤال بعد الحرب العالمية الثانية، وهي أن الحل يتمثل في التعليم. وكيف يمكن تطوير التعليم؟ لنجيب عن هذا السؤال، فعلينا أن نعرض العناصر الأساسية للعملية التعليمية، وهي في وجهة نظري تتكون من التالي: المعلِّم “المُلقن”، الطالب “المتلقي”، المنهج الدراسي “المحتوى”، أسلوب التعليم “وسيلة تلقين المحتوى للمتلقي”. هذه العناصر الأربعة في أي بلد هي مكونات العملية التعليمية، بجانب المنظومة التي تمثل طريقة إدارة العملية التعليمية.

هل العملية التعليمية تصنع الطالب المطلوب؟

في المعادلات الكيميائية إذا أدخلت المتفاعلات بالشكل الصحيح، مع وجود العوامل المحفزة القوية، فإنك سوف تحصل في النهاية على المخرجات التي تريدها من المعادلة. لو نظرنا إلى العملية التعليمية على أنها معادلة متكاملة، مدخلاتها المعلِّم والمنهج، وعاملها الحفّاز هو أسلوب التعليم، ومخرجاتها المتوقعة هي الطالب. يمكننا بناءً على هذه النظرة تحديد إن كانت المعادلة ناجحة أو لا لتقدم لنا الطالب الذي نبحث عنه.

في حقيقة الأمر فإن كل عنصر من هذه العناصر يتأثر بالحالة العامة للمجتمع. نبدأ من صياغة المناهج، والتي يجب أن تعتمد في أساسها على صناعة الشغف لدى المتعلم، وأن تبتعد عن كونها مجرد معلومات يجب عليه أن يحفظها كما هي من أجل تحقيق الدرجة النهائية في الاختبار النهائي. ثم نتطرق إلى طريقة التدريس، وهي طريقة تقليدية بحتة، يلعب فيها المتلقي دورًا ثانويًا، يأخذ المعلومة كما هي من الأستاذ، دون أي مشاركة تفاعلية في المحتوى. وأخيرًا دور المعلم الذي يُفترض به أن يكون حلقة الوصل بين هذه العناصر، لكن في ظل مناهج تقليدية معتادة وأساليب غير مطورة، مع النظرة المجتمعية التي تتعامل مع التعليم على أنه مجرد شهادة، يمكننا أن نجزم أن العملية التعليمية لا تصنع الطالب المطلوب. بالطبع لا تنطبق القاعدة على الجميع، فهناك مخرجات جيدة أحيانًا، لكننا نتحدث هنا بشكلٍ عام، والسبب في رأيي يعود إلى القائمين على العملية التعليمية، الذين ينبغي أن ينظروا إلى المسألة بشكل مختلف، وأن تبدأ جهود التنمية في التركيز على ما يستحق التنمية فعلاً، التعليم.

كيف يمكن الربط بين العناصر الأربعة؟

في الواقع، الربط بين العناصر الأربعة يمكنه أن يحدث إذا توجهت جهودنا ناحية الناتج النهائي من العملية التعليمية، الطالب. والحل هو أن يتم تحويل المناهج التعليمية لأن تصبح تفاعلية أكثر، سواءً بتعديل المواد الموجودة بها، أو بالاعتماد على تعليم المعلمين طرق جديدة للتدريس، مما يعني حدوث تطوير كامل لكلاً من المعلِّم وأسلوب التعليم. بحيث تجتمع هذه العناصر الثلاثة معًا، وتقدم لنا المتلقي النشط الذي نبحث عنه.

كيف يمكننا أن نتأكد من التعليم التفاعلي هو الحل؟ الإجابة يقدمها لنا المعلم الأمريكي إدجار ديل، والذي قام بتطوير ما يُعرف بمخروط الخبرة، والذي يرى فيه إدجار ديل أن مستويات تقبل المعلومة وحفظها وتذكرها فيما بعد بعد فترة أسبوعين، تنقسم إلى ثلاثة مستويات: المستوى الأول وهو المستوى الذي يكون فيه المتلقي غير مشارك في العملية، وهذا المستوى يتدرج بدءًا من القراءة التي يتذكر فيها الإنسان 10 %، الاستماع إلى الكلمات 20 %، المشاهدة 30 %، الاستماع والمشاهدة 50 %. أي أنه في المستوى الأول، إذا استخدم المعلِّم كل الوسائل التعليمية المتاحة له دون مشاركة الطالب، فإن نسبة النجاح الكاملة هي 50 % من المطلوب بالأساس.

وفي حالة المستوى الثاني، وهو المستوى الذي يبدأ فيه الطالب بالمشاركة في العملية التعليمية، تبلغ نسبة التذكر في هذا المستوى 70 %، وطبيعة المشاركة هنا قائمة على المناقشة بين الطلاب، ومشاركتهم في كتابة المعلومات. أما المستوى الثالث والأخير، والذي يمثل قمة المشاركة في العملية التعليمية، فإن الطالب سوف يتذكر بنسبة تتخطى الـ90 %، والمشاركة هنا قائمة على التنفيذ الفعلي، أي الممارسة الكاملة.وبالتالي إن حدث الربط بين هذه العناصر الثلاثة، فإننا سوف نصبح في طريقنا للحصول على الناتج المطلوب من العملية التعليمية، وهو تحولنا من حالة التسليم السلبي، إلى حالة التفاعل الحيوي.

رحلة البحث عن معلِّم!

كل شيء في النهاية يبقى بيد المعلِّم، فهو الحلقة الرئيسية في وجهة نظري في عملية الربط، والتنفيذ الصحيح للمعادلة الموجودة. حيث أن تطبيق المناهج الموجودة بطرق تفاعلية وأسلوب تدريس مختلف، هي المسؤولية الواقعة على المعلم. وإن لم يكن المعلم قادراً على تطبيق ذلك الأمر بالشكل الصحيح، فإن كل ما تحدثنا عنه سوف يبقى كلامًا نظريًا دون تطبيق في الواقع. وحتى يحقق المعلِّم هذه المعادلة، فإنه يحتاج إلى أن يصبح ميسرًا في العملية التعليمية، فالتيسير هو الأسلوب الذي يتم الاعتماد عليه لجعل أي متلقٍ يتحول من كونه شخصًا يتم تلقينه المعلومة، إلى شخص يساهم في صناعة المعلومة بنفسه. توجد تقنيات متعددة يمكن الاعتماد عليها لتحقيق ذلك الأمر، ولو أن المعلِّم أجاد تطبيق هذه التقنيات، سوف يكون المخرج النهائي من العملية التعليمية هو طالب يُشارك في صناعة معلومته، ويحقق القدر الأكبر من الاستفادة منها. وهذا الأمر سوف يكون مفيدًا له في المستقبل، فهو سوف يتحول ليكون متعلم نشط دائماً. وبالتالي فإنه سوف يؤدي دورًا فعالًا في مجتمعه فيما بعد، حيث أنه سيكون قد اعتاد على البحث عما يريده بالتحديد، وسوف يملك المقومات الكافية لتحقيق أهدافه، مما سوف يفتح مجالاً أكبر لتحقيق التنمية في المجتمع.

كذلك فإن الثقافة العامة سوف تتحول من كونها ثقافة مُستقبلة فقط، لا تفكر ولا تبدع، إلى ثقافة مُنتجة، سواءً في العملية التعليمية ذاتها، أو في المؤسسات المجتمعية التي سوف تحصل على الاستفادة الأكبر من تطوير العملية التعليمية. كل ما نحتاج إليه هو أن نضع برنامجاً متطوراً لصناعة المعلم، يكون التركيز الأساسي فيه على تعريفه بكل شيء يخص التيسير، وكيف يمكن استخدام تقنيات التيسير المختلفة، كالنقاش، والمسرح التفاعلي، ولعب الأدوار والعصف الذهني وورش العمل على المحتوى التعليمي، بحيث يختار التقنية التي تناسب كل موضوع، ونضمن في النهاية أن البرنامج يحقق الأهداف المطلوبة منه، وتصبح العملية التعليمية قائمة على التعليم الحيوي، وأن الطالب يبحث عن المعلومة ليكتسبها بذاته بدلاً من انتظار التلقين.

إذا نجحنا في توفير هذا النوع من البرامج للمعلم، وبدأنا في تطبيق التيسير على المناهج التعليمية، فأظن أننا سوف نقطع شوطًا كبيرًا في طريق التنمية المجتمعية، ويمكننا أن نجيب على السؤال الذي طرحناه في بداية المقال، وأن نبدأ في خوض طريقنا نحو حياة أفضل.

جديدنا